لم يمر أكثر من شهر واحد على فوز ريال مدريد الإسباني على نظيره الإيطالي روما في بطولة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم لتنهال عليه عبارات الإشادة من كل حدب وصوب، حتى سقط الفريق في مستنقع عميق من الفوضى، في الوقت الذي يعاني فيه مدربه من سكرات الموت البطيء.
ومن الصعب إدراك وتفهم هذا التغيير الكبير خلال وقت قصير للغاية، فإذا كان ريال قبل بضعة أسابيع فريقا متكاملا يقدم أداء رائعا فهو لم يعد كذلك بأي حال في الوقت الراهن.
وفي تلك المباراة التي أقيمت ضمن منافسات دور المجموعات لبطولة دوري أبطال أوروبا، لم تفتر جماهير ريال مدريد في مدرجات ملعب سانتياجو بيرنابيو، معقل النادي الملكي، عن التصفيق لفريقها الذي لم يكن واثقا من نفسه وحسب بل كان يبعث إيماءات تدلل على أنه بات فريقا يتمتع بامتلاكه لفكر تكتيكي واضح.
وتمثل هذا الفكر في اقتراب خطوطه وممارسته للضغط المتقدم وشغل المساحات بكثافة والانطلاق عبر جانبي الملعب، بالإضافة إلى تنوع طرق الوصول إلى المرمى.
وكان هذا ما دفع المدير الفني لروما، اوسيبيو دي فرانشيسكو إلى الاسهاب في الإشادة بمنافس فريقه، حيث قال: "لو كنت أحد أنصار ريال مدريد لم أكن لأشعر بالقلق حيال أي شيء، إنه فريق الأبطال".
كما امتلأت صحف الجرائد أيضا بعبارات الإشادة، حتى إنها طرحت هذا السؤال: "هل هو أفضل فريق في التاريخ؟".
ولكن من كان يتصور أن تلك الحالة المبهرة التي كان يتمتع بها العملاق المدريدي سيخفت وميضها شيئا فشيئا حتى يصل به الأمر إلى هذه الفوضى التي يعاني منها الفريق اليوم.
وبعد مباراة روما تلك، حقق ريال مدريد فوزا باهتا على اسبانيول في الدوري الإسباني بهدف دون رد، وكان ذلك بحق جرس إنذار يحذر مما هو قادم.
وفي أعقاب هذه المباراة تسارعت الأحداث وبدأ ريال مدريد في التراجع بقوة، حيث تلقى هزيمة مذلة بثلاثة أهداف نظيفة أمام إشبيلية، وهي الهزيمة التي دشنت بداية حقبة زمنية امتدت لثماني ساعات بدون تسجيل أي أهداف ومن ثم بدون فوز.
وتمكن ريال مدريد أخيرا من فك نحسه بالفوز أمس الثلاثاء على فيكتوريا بلزين المتواضع في مباراة جديدة في دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا، ولكنه كان فوزا بطعم الهزيمة.
وأعربت جماهير ريال مدريد عن غضبها من المستوى الذي قدمه فريقها أمس رغم الفوز، وودعت اللاعبين في نهاية المباراة بصافرات الاستهجان بعد أن خاض ناديه التجربة الأكثر سوأ للاستعداد لمباراته المرتقبة أمام غريمه برشلونة يوم الأحد المقبل.
وأزاحت المباراة الستار عن جميع مظاهر الفوضى التي يعاني منها ريال مدريد حاليا، حيث لم يقم بارتداء ثوب التألق من بين لاعبي الفريق، سوى الحارس الكوستاريكي كيلور نافاس والوافد الجديد من باراجواي، فيدي فالفيردي، الذي خاض أمس أول مباراة مع النادي الإسباني.
يشار إلى أن اللاعب ايسكو ألاركون تم استبداله في الشوط الثاني ليخرج واضعا يده على فمه حتى لا يتسنى لأحد أن يطلع إلى ما كان يقوله لمدربه خلال تلك الأثناء، وهو بطبيعة الحال لم يكن على الأرجح شيئا جميلا.
وبعد ذلك، أجرى المدرب الإسباني تغييره الثالث في اللقاء في الوقت الذي سقط فيه الظهير البرازيلي مارسيلو، مصابا ليغادر على إثر ذلك ملعب المباراة ويكمل ريال مدريد الوقت المتبقي من المواجهة بعشرة لاعبين يترقب صافرة النهاية بتلهف شديد وسط غضب عارم من جماهيره.
وكما هي العادة في جميع المواقف المتأزمة، يلقي اللاعبون دائما باللوم على الصحافة لتحميلها مسؤولية ما يمر به أحد الفرق من تراجع على المستوى النتائج والأداء الفني.
وجاءت تصريحات مارسيلو في هذا الإطار، حيث قال: "تتحدثون أنتم عن أزمة، تحاولون أن تلحقوا الضرر بهذا الفريق، كل الصحفيين يحاولون أن يلحقوا الضرر بنا، ربما يكون ذلك نابعا من الغبطة كونكم لا تحسنون لعب كرة القدم".
وعلى هذا النحو، يستعد ريال مدريد لزيارة ملعب كامب نو، معقل برشلونة، لمواجهة النادي الكتالوني في الدوري الإسباني، في ظل معانته من أزمة ثقة بالنفس ومن التفكك، في الوقت الذي اختفت فيه علامات الطمأنينة التي كانت تعتلي قسمات وجه مدربه، جولين لوبيتجي، قبل بضعة أسابيع عندما كان الفريق يحلق عاليا.
ولكن الشيء الذي لا يرقى إليه أي شك هو أن الإطاحة بلوبيتيجي ستكون مؤكدة إذا حقق إخفاقا في زيارته لملعب برشلونة، أما إذا كان الحظ حليفه واستطاع أن يقود ريال مدريد للفوز فهو بذلك سيمنح نفسه قبلة الحياة حتى المباراة التالية وهكذا سيستمر الحال معه في كل مباراة يخوضها حتى إشعار أخر.
وهكذا أصبح حال ريال مدريد، الفائز بأخر ثلاث نسخ من بطولة دوري أبطال أوروبا، والفريق الذي استحوذ على جوائز الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" في أسبتمبر الماضي، والتي كان من بينها جائزة أفضل لاعب في العالم.