مضت 16 سنة على رحيله، تغيرت خلالها الدنيا، ومرت مياة كثيرة تحت الجسور، ولم يزل "صالح سليم"، حاضرا فى الذاكرة الجماعية.
ولم يزل حضوره ماثلًا وقويًا ومؤثرا فى ضمير الأهلاوية.
لم يغادر صالح سليم المشهد بعد، كأنه فى إجازة، كأنه فى لندن، فالكل يحسب حسابه، وينفذ توصياته، ويستلهم مواقفه، ويمضى على طريقه ويقتفى أثره، والويل كل الويل لمن يحيد عن مبادئه، وينحرف عن طريقه، ويخرج عن القضبان، وقد رأينا النتيجة !
وتلك هى قيمة الأبطال على مر التاريخ، مقدار ما تركوه من أثر فى الآخرين.
والواقع أن صالح سليم لم يكن عبقريا، ولا كان أسطورة كروية، فملاعب الأهلى أنجبت من هم أحرف منه، لم يكن صالح أحرف من عبد الكريم صقر، ولا الضظوى، ولا رفعت الفناجيلى، ورغم ذلك استمرت نجوميته وكاريزمته، وظلت شعبيته الطاغية 36 سنة بعد اعتزاله، بينما طوى التاريخ صفحات الآخرين.
وحين انحرفت إحدى اداراته عن مبادىء الأهلى، رأينا مشهدًا تاريخيًا، لانتفاضة الجمعية العمومية، وكان بطل المشهد، هو الحاضر الغائب صالح سليم، الذى بات معيارًا ومسطرة يقاس عليها، وتوزن بها القيادات، مدى ابتعادها واقترابها من مبادىء الأهلى.
هذا الحضور المعنوى الطاغى، هو الأثر الذى تركه صالح سليم كواحد من أعظم فرسان القلعة الحمراء، وواحد من أعظم حراس القيم التى غرستها قيادته التاريخية والاستثنائية على مدى 111 عامًا.
ترى ما سر تلك الشعبية وذلك الحضور الطاغ لـ «صالح سليم» فى العقل الأهلاوى!
الواقع أن الرجل لم يأت بمعجزة خارقة، كل ما هنالك أن مصداقيته هىآ ، كان يفعل ما يقول ويقول ما يفعل، هذا ببساطة كل ما فى الأمر.
لم يكن صالح سليم ليكذب أبدًا، لأنه ببساطة كان شجاعًا، فى مواجهة نفسه قبل أن يكون شجاعًا مى مواجهة خصومه، وبالقطع كان له خصومًا، وكانت له معارك، تمحورت كلها حول مصالح النادى الأهلى، ومبادئ القلعة الحمراء.
لكنه فى كل معاركه، كان دائما خصمًا شريفًا، وفارسًا نبيلًا، لا يضمر شرا، ولا يتربص، ولا يطعن فى الظهر، ولا يعتبر الطعن فى الظهر رياضة بدنية !
وعلى مدى مسيرته لاعبًا وإداريًا وقائدا للقلعة الحمراء كان نموذجًا استثنائيًا، كان يهرب من الشهرة، ويزهد فيها، فى الوقت الذى يتكالب فيه الجميع عليها، وكان زاهدًا فى السلطة فى وقت كان الآخرون يبحثون عنها، عرض عليه أن يكون وزيرًا للرياضة فاعتذر، ليس تعاليا على منصب، ولا تنصلا من مسؤلية، ولكن وكما قال لى "لا أصلح لهذا المنصب".
أالى هذا الحد كان واضحًا وشجاعًا مع نفسة ؟!
أجل وأكثر من ذلك، فقد كان ذكيًا، يعرف قدر نفسة، دون زيادة أو نقصان، فلا يبالغ فى تقديره لنفسه، ولا يأبه بشهرته العريضة، ولا يعتقد أنها وحدها كافية لتجعله نجمًا سينمائيًا، ولا زعيمًا سياسيًا، ولا بطلًا شعبيًا.
سألته ذات مرة: لماذا توقفت عن السينما؟ قال: لأنى فشلت، وجدت صعوبة أن أتقمص شخصية غير شخصيتى.
ذات مره طلب منه زميلنا المرحوم سلامة مجاهد أن يسجل مذكراته على شرائط كاسيت فى وقت فراغه فى البيت، كلما أتيحت له الظروف.
اعتذر بلطف، فظن سلامة أن صالح لا يجد وقتا بسبب انشغاله فقال له صالح:
عندى وقت بس ما اقدرش اقعد أمام جهاز تسجيل اتكلم عن نفسي !
اسألني وانا اجاوبك، لكن أتكلم عن نفسي فى شريط، ده شيء صعب أن الواحد يتكلم عن نفسه.
لقد عاش صالح سليم حياته كلها فى حالة استغناء تام عن الشهرة، والمنصب والمال، لم يتقاض مليمًا من الأهلى لاعبًا أو مديرًا للكرة، بل إنه تبرع للأهلى بثمن حلقات لقناة ارت، وقال لولا فضل الأهلى عليه لما كان هذا البرنامج. وبهذا قدم نموذجًا استثنائيًا صعب محاكاته.
وحتى تعرف الأثر الكبير الذى تركه صالح سليم فى تاريخ الأهلى، يكفى أن نعلم أن رئاسة النادى الأهلى ظلت لعقود طويله حكرًا على رجال الدولة، ورجال الأعمال، حتى جاء صالح سليم ،وكسر هذا الاحتكار، ومهد الطريق لنجوم الكرة من بعده لقيادة القلعة الحمراء.
فلولا صالح سليم لما رأينا عبده صالح الوحش، ولا حسن حمدى، ولا نجح الخطيب، باكستاح أمام آخر رجال الأعمال الذين تولوا رئاسة القلعة الحمراء !
للحديث بقية.