قدم مانشستر سيتي موسماً استثنائياً في الكرة الإنجليزية التي لم تعرف مثل هذا الفريق الجماعي الهجومي الشامل المخيف، ولا خلاف على أن بيب جوارديولا نجح في فرض فلسفته التدريبية على كل منافسيه في «البريميرليج» قبل لاعبيه، واستطاع بيب أن يصنع فريقاً جماعياً من الدرجة الأولى، لا يعتمد على نجم واحد، مثلما ظلت الكرة العالمية تدور في فلك الأسطورتين ميسي ورونالدو طوال الحقبة الأخيرة، من دون منافس أو منازع، صحيح أن نجم «البرغوث» الأرجنتيني بزغ تحت رعاية جوارديولا، إلا أن ما وصل إليه مستوى برشلونة حالياً يؤكد أن إنييستا وتشافي وبوسكيتس وفيا وبويول، وغيرهم من نجوم الجيل الذهبي «الكتالوني» لهم أدوار لا تقل أهمية عما قدمته موهبة «ليو الخارقة»، وهو ما تكرر مع بايرن ميونيخ الذي قدم كرة جماعية ممتعة جداً ألقت بآثارها الإيجابية على مسيرة الماكينات العالمية في السنوات الأخيرة، مثلما كان الحال مع الجيل الأسطوري لـ «الماتادور»، والمؤكد أن «فلسفة بيب» العبقرية لها بالغ الأثر على مستوى «الأسود الثلاثة» في الآونة الأخيرة، خاصة أن الصحافة الإنجليزية أكدت أن ساوثجيت يتواصل مع العديد من مدربي أندية «البريميرليج»، وعلى رأسهم جوارديولا، ولا عجب فيما يقدمه «السيتيزن» مع «الإسباني»، لأنه الوريث الشرعي للكرة الشاملة الجماعية التي انتهجها يوهان كرويف، وأبهر العالم بها، ليؤكد أن أسطورة النجم الأوحد تمتد لحقبة زمنية محددة، تعود بعدها كرة القدم إلى أساسها الثابت من حيث الجماعية والتعاون بين كل أفراد الفريق الواحد!
وظهر ذلك بوضوح على مدار هذا الموسم، ولم يتأثر «البلومون» بغياب أحد نجومه، أو ابتعاد أحدهم عن مستواه المعروف، أو معاندة التوفيق للبعض الآخر، فالكل انصهر في منظومة واحدة لا فرق فيها بين اللاعب الأساسي أو البديل، وعندما غاب أجويرو الهداف التاريخي لـ «السيتي» كان ستيرلينج حاضراً بقوة، لم يسبق لها الحدوث في المواسم الماضي، وسجل الأرجنتيني القدير 21 هدفاً في 25 مباراة، بينما أحرز رحيم 17 هدفاً في 29 مواجهة، وبينهما لم يتوقف ماكينة الأهداف البرازيلي الموهوب «21 عاماً»، جابرييل جيسوس، عن هز الشباك إذ تمكن من تسجيل 10 أهداف خلال 24 مباراة.
وبمراجعة قائمة اللاعبين الذين أحرزوا أكثر من 5 أهداف هذا الموسم بالدوري الإنجليزي حتى الآن، كان «البلومون» هو صاحب نصيب الأسد فيها بإجمالي 6 لاعبين، تصدرهم الثلاثي المذكور، بجانب دافيد سيلفا الذي أحرز 8 أهداف مقابل 7 أهداف لكل من ليروى ساني وكيفن دي بروين، في حين اشتركت الفرق الكبرى في وجود 4 لاعبين فقط من قائمتها في الترتيب مثل ليفربول وأرسنال وتوتنهام وتشيلسي ومان يونايتد، وإذا أفردنا المساحة للمقارنة بين هجوم «السيتي» و«الريدز» تحديداً لأنهما الأقوى في «البريميرليج»، نجد أن منظومة «السيتيزن الهجومية» كانت متكافئة في القوة بين عناصرها، وسجل أجويرو بفارق 4 أهداف فقط عن رحيم، ثم جاء جيسوس بفارق 7 أهداف، وتقلص الفارق بين باقي الهدافين، بينما ابتعد محمد صلاح كثيراً بأهدافه لتصل إلى ضعف ما أحرزه زميله فيرمينو، ثم ماني بفارق 5 أهداف، بينما خرج كوتينيو من القائمة عقب رحيله إلى «البارسا»!
ولا يمكن الحديث عن تأثير غياب أحد اللاعبين بذاته، لأن الإحصاءات الإجمالية للموسم الإنجليزي، تشير إلى أن البطل لم يتعثر في الهزيمة سوى مرتين مقابل 3 تعادلات فقط، كما نجح بيب في استغلال أفراد قائمته كاملة بعدما اشترك 23 لاعباً في هذا التتويج، كما قلص الإسباني متوسط المعدل العمري لفريقه ليصل إلى 26 عاماً بفارق ضئيل للغاية عن ليفربول الذي أشرك لاعبين أكثر عن السيتي، وهو الأمر الذي يصب في اتجاهين، أولهما، هو أن جوارديولا لا ينفق الأموال عبثاً مثلما فعل مورينيو على سبيل المثال، وبالتالي تكون اختياراته سليمة ومبنية على احتياجات الفريق، والاتجاه الثاني هو نجاحه في تكوين فريق شاب سيكون قادراً على حمل لواء الدفاع عن ألوان «السماوي» في السنوات القادمة، ويكفي اشتراك لاعبين لم يتخطوا الثامنة عشرة مثل فودين ودياز، بالإضافة إلى النجوم الصغيرة المتوهجة، جيسوس وساني وبرناردو سيلفا على سبيل المثال فقط وليس الحصر، وقدمهم بيب هدية ثمينة لمنتخبات بلادهم مثلما فعل سابقاً مع «لاروخا» و«المانشافت».