فى نجريج بعمق دلتا النيل، يحلم الأطفال بأن يصبحوا
نجوماً فى كرة القدم على خطى محمد صلاح، ابن قريتهم، هداف نادى ليفربول الإنجليزى وأفضل
لاعب أفريقى، والذى بات معشوق المصريين.
على بعد أمتار قليلة من البيت الذى ولد ونشأ فيه
نجم ليفربول فى نجريج والمكوّن من ثلاثة طوابق والمطل، مثل معظم مبانى القرية، على
شارع ترابى ضيق، يقول محمد عبد الجواد (12 عاماً)، "أتمنى عندما أكبر أن أكون
مثل محمد صلاح".
ويضيف قبل أن يتابع حديثه مع أصدقائه الذين يشاركونه
الحلم نفسه فى القرية الواقعة على بعد قرابة 120 كيلومتراً شمال غرب القاهرة،
"بسبب أخلاقه وتواضعه، أصبح محمد صلاح لاعباً محترفاً".
قائمة الهدافين
ويبرز صلاح (25 عاماً) هذا الموسم بشكل كبير مع
ليفربول، وسجل له 29 هدفاً، منها 22 هدفاً فى الدورى الممتاز، جعلته فى المركز الثانى
فى ترتيب الهدافين بفارق هدف واحد خلف لاعب توتنهام هارى كاين، وكانت آخر أهدافه فى
المباراة ضد ساوثمبتون أمس، الأحد، والتى فاز فيها الفريق الأحمر 2-0.
وجاء هذا النجاح على مستوى النادى، بعد نجاح مماثل
مع المنتخب المصرى، تمكن خلاله من المساهمة بشكل أساسى فى بلوغ "الفراعنة"
نهائيات كأس العالم 2018 فى روسيا، للمرة الأولى منذ 28 عاماً.
مصدر إلهام
ويدرك صلاح أن مساره ونجاحه صارا مصدر إلهام لأطفال
مصر وأفريقيا، فوجه لهم عند تسلمه جائزة أفضل لاعب أفريقى لعام 2017 فى يناير الماضى،
كلمة قال فيها، "لا تتوقفوا أبداً عن الحلم، لا تتوقفوا أبداً عن الإيمان".
وفى المنزل المغلق ببوابة حديدية كبيرة سوداء، يمتنع
أفراد عائلة صلاح عن استقبال الصحفيين، "احتراماً لرغبته".
ولم يكن أحد يطل من النوافذ ولم تكن هناك ملابس
تتدلى من الشرفات كما هو الحال فى منازل القرى الأخرى، ربما بسبب حرص أهل نجم ليفربول
على تجنب عيون الكاميرات الصحافية التى تتدفق على نجريج منذ تتويج صلاح بلقب أفضل لاعب
أفريقي.
ولم تكن مسيرة صلاح سهلة، بحسب ما يروى عارفوه فى
القرية.
موهبة واضحة
ويقول غمرى عبد الحميد السعدنى، الذى كان مدرباً
لأشبال نادى شباب نجريح، عندما بدأ صلاح التردد على المركز وهو فى الثامنة من عمره،
"دربت محمد صلاح وهو لا يزال طفلاً، وكانت موهبته واضحة منذ الصغر"، معتبراً
أن نجاحه ليس بسبب "مجرد موهبة، إنما كذلك بفضل عزيمة فولاذية ومجهود وإصرار".
ويروى عمدة القرية ماهر شتية باعتزاز أن "محمد
كان لا يزال فى الـ14 من عمره عندما انضم إلى فريق نادى "المقاولون العرب"
فى القاهرة، وكان يضطر إلى أن يمضى قرابة عشر ساعات يوميا فى وسائل المواصلات ليواظب
على تدريبه اليومى".
رحلة عذاب
ويوضح العمدة، الذى تربطه علاقة صداقة بأسرة محمد
صلاح، أن الأخير كان، فى "رحلة العذاب" تلك، يستقل أربع وسائل نقل، من نجريج
إلى بلدة بسيون المجاورة، ثم منها إلى مدينة طنطا (عاصمة محافظة الغربية)، حيث يستقل
حافلة أخرى إلى وسط القاهرة، ثم يبحث عن وسيلة تقله إلى حى مدينة نصر فى شرق العاصمة
المصرية حيث مقر ناديه.
نشأ صلاح فى أسرة رياضية، فوالده وعمه وخاله كانوا
يلعبون كرة القدم فى نادى شباب نجريج الذى تغير اسمه وأصبحت تعلوه لافتة كبيرة كتب
عليها "نادى شباب محمد صلاح".
بسيون
ويقول شتية، "عندما لاحظ والد محمد موهبة ولده،
سعى لإلحاقه بأحد الأندية الكبيرة، لعب صلاح فى البداية مع فريق فى بلدة بسيون ثم انتقل
إلى فريق فى مدينة طنطا قبل أن يلتقطه نادى "المقاولون"، ومنه رحلة احتراف
فى الخارج بدأت مع نادى بازل السويسرى فى 2012.
فى نادى "المقاولون" فى القاهرة، أمضى
صلاح قرابة خمس سنوات، بحسب مدربه سعيد الشيشينى الذى يؤكد أنه "لعب فى فرق الناشئين
تحت 15 سنة وتحت 16 وتحت 17 قبل أن ينتقل إلى الفريق الأول"، مضيفاً "كان
صلاح واضح الموهبة وفرض نفسه وبرزت خصوصاً قدرته على اختراق دفاعات المنافس والمرور
بالكرة من منتصف الملعب حتى منطقة الجزاء".
حسن الحظ
ويعتقد الشيشينى أن الحظ لعب أيضاً دوراً فى احتراف
صلاح المبكر، إذ كان مشرف الكرة فى نادى "المقاولون" شريف حبيب "على
علاقة بالأندية الأوروبية، وهو من قام بتسويقه".
وتربى محمد صلاح فى أسرة محافظة تنتمى إلى الطبقة
المتوسطة، وكان والداه يعملان فى وظيفتين حكوميتين بالقرية.
غير أن والده كان يعمل، بالإضافة إلى الوظيفة، بتجارة
الياسمين، وهو المحصول الرئيسى الذى يزرع فى نجريج ويتم تحويله فى القاهرة إلى معجون
ويتم تصديره إلى روسيا وبعض دول أوروبا الغربية، حيث يستخدم فى صناعة العطور.
الياسمين
فى نجريج، تنتشر حقول خضراء مزروعة بالياسمين الذى
لم يحن موعد قطافه، إذ ينتظر أهل القرية أن تنبت زهرته البيضاء الفواحة فى الربيع قبل
أن ينشغلوا فى جنى المحصول.
وتزوج صلاح من ماجي، إحدى بنات قريته، عندما كان
فى العشرين من عمره واصطحب رفيقة حياته معه إلى أوروبا، حيث رزقا بابنة أطلقا عليها
اسم مكة، تيمنا بالمدينة التى يقع بها المسجد الحرام.
زواج تقليدى
ولا يزال صلاح يمضى عطلته السنوية مع زوجته وابنته
فى نجريج التى لم يبخل على أهلها بالمساعدات، وربما كان أول ما قام به هو صيانة ملعب
كرة القدم فى المدرسة الوحيدة فى القرية التى تعلم فيها خلال مرحلتى الابتدائى والإعدادى.
ويصف غمرى عبد الحميد السعدنى، صلاح بأنه
"متواضع جداً ويجب أن نضع 100 خط تحت كلمة متواضع، فمحمد ابن الثمانى سنوات هو
نفسه محمد أفضل لاعب أفريقى".
شهر رمضان
ويقول العمدة، "خلال السنوات الثلاث الأخيرة
تزامنت عطلة محمد صلاح مع شهر رمضان وكان يمضيها فى القرية وسط أصدقائه، والعام الماضى
شارك فى توزيع جوائز دورة الكرة الرمضانية".
ويقول ماهر شتيه، إن "محمد صلاح يعمل الكثير
من أجل أهل بلده"، موضحاً أنه تبرع بتكاليف إنشاء وحدة عناية مركزة كاملة فى مستشفى
بسيون المركزى منذ عامين، وأنشأ أيضاً مؤسسة نجريج الخيرية التى تقدم مساعدات شهرية
للمحتاجين".