تسود في الأرجنتين أجواء كأس العالم مع تطلعات لا مثيل لها منذ سنوات. فقد أثار التتويج بلقب كوبا أمريكا في ماراكانا الآمال في بلد يضع نصب عينيه هدفاً واحداً: رفع كأس العالم للمرة الثالثة في قطر. وفي ظل وجود ليونيل ميسي كقائد في مشاركته التي قد تكون الأخيرة، تمتلك كتيبة لا ألبيسيليستي أسلحة متعددةى للبحث عن الكأس الأغلى في عالم المستديرة الساحرة.
لقد كانت التصفيات بمثابة طريق مفروشة بالورود أمام فريق ليونيل سكالوني: احتلّ المركز الثاني، خلف البرازيل، برصيد ٣٩ نقطة من ١١ انتصاراً و٦ تعادلات مكّنته من التقدم بفارق ١١ نقطة على المركز الثالث. بيد أن الأهم من هذه الأرقام هو أداؤه وتتويجه القاري ضد خصمه اللدود بعد ٢٨ عاماً من الجفاف، ما عزز آماله في الظفر بكأس العالم.
بعد الإقصاء ضد فرنسا في روسيا ٢٠١٨ ورحيل جيل كان قريباً من صنع التاريخ في البرازيل ٢٠١٤، لم يكن الأفق مشرقاً؛ فقد أثارت عملية ضخ دماء جديدة في الفريق الشكوك حول إمكاناته والعديد من المدربين المعروفين رفضوا تولي هذه المسؤولية الجسيمة.
وهكذا، راهن كلاوديو تابيا على المدرب الجديد ليونيل سكالوني، الذي انضم إلى طاقم تدريب خورخي سامباولي في عام ٢٠١٨. وقد كان رهانه صائباً. فبعد أربع سنوات، يصل المنتخب الأرجنتيني إلى قطر بتفاؤل كبير بعد تجاوز خيبات الأمل الأخيرة. وبعد تخطي ذلك الحاجز النفسي بفضل فريق متضامن، تحت قيادة ميسي، وبجيل جديدة أثبت أنه في مستوى قميص لا ألبيسيليستي، وبدهاء سكالوني، تسعى الأرجنتين للفوز باللقب الثالث في أم البطولات.
مباريات الأرجنتين في المجموعة الثالثة
الأرجنتين ضد السعودية – ٢٢ نوفمبر، الساعة 12:00، استاد لوسيل
الأرجنتين ضد المكسيك – ٢٦ نوفمبر، الساعة 21:00، استاد لوسيل
الأرجنتين ضد بولندا – ٣٠ نوفمبر، الساعة 21:00، استاد ٩٧٤
نهج ليونيل سكالوني
تجربته الأولى كمدرب لا تُنسى حقّاً. أمام رفض العديد من المديرين المعروفين لهذا المنصب، تولي مسؤولية تدريب منتخب الأرجنتين بشكل مؤقت بعد أن تُوّج بلقب بطولة لالكوديا تحت ٢٠ سنة في ٢٠١٨. نجح في ضخ دماء جديدة كانت ضرورية لكتيبة لا ألبيسيليستي وكسب ثقة اللاعبين والمسؤولين. وبعد التأكيد على أحقيته في تدريب منتخب بلاده، قدّم عروضاً جيدة في كوبا أمريكا ٢٠١٩ على الرغم من إقصائه في الدور قبل النهائي ضد البرازيل. فقد كان ذلك أساس كل ما سيأتي لاحقاً.
وبعد تأكيد تولي سكالوني زمام الأمور في التصفيات والمنافسة القارية التي تأجلت بسبب فيروس كورونا لعام ٢٠٢١، تمكن من بناء مجموعة صلبة مع لاعبين جدد يقدمون الغالي والنفيس من أجل منتخب بلادهم وعازمون على بذل كل جهد ممكن لتحقيق اللقب الذي ينتظره قدوتهم ليونيل ميسي منذ زمن طويل. فقد عثر سكالوني تباعاً على العناصر المثالية على طول الطريق: تثبيت إميليانو مارتينيز بين الخشبات الثلاث، تعزيز مكانة كريستيان روميرو في الدفاع، تحويل لياندرو باريديس إلى لاعب وسط، تطوير لاوتارو مارتينيز إلى هداف، واستعادة أنخيل دي ماريا كلاعب يصنع الفارق.. كانت من القرارات الصائبة التي اتخذها من على دكة البدلاء.
بتواضع دائم، تُوّج بطلاً لكوبا أمريكا وفاز بكأس "لا فيناليسيما". هذا المدرب الذي لم يراهن عليه كثيرون كان هو المسؤول عن وضع حدّ لجفاف الأرجنتين من حيث الألقاب، وبنفس الوصفة سيحاول رفع كأس العالم في قطر.
ليونيل ميسي واللقب التائه
سيخوض نجم ألبيسيليستي مشاركته الخامسة في نهائيات كأس العالم. في سنّ الـ ٣٥، لا أحد يجادل في جدارته. فقد نجح صاحب القميص رقم ١٠ في تكييف أسلوب لعبه مع التأثير الحتمي لمرور السنوات، ليظل نجم الأرجنتين الأول قبيل السفر إلى قطر. وبعد إزالة شوكة الفوز بلقب كبير مع منتخب بلاده، سيبحث الآن عن الظفر بالكأس الوحيدة التي تنقص خزائنه الحافلة بالألقاب.
إنه قائد جيل جديد من اللاعبين الذين يحتفظون بملصقه معلقاً على جدران غرفهم ولن يتوانوا في تقديم الغالي والنفيس حتى يحقق قدوتهم اللقب الأغلى الذي ينقص خزائنه. وعلى الرغم من أنه لم يعد في أوج شبابه ولا يركض ويراوغ دون توقف طيلة تسعين دقيقة كما كان يفعل في السابق، إلا أن كل تدخلاته لا تزال حاسمة في صنع اللعب وهزّ شباك الخصوم.
ليس من الضروري التحدث عن سحر قدمه اليسرى، وموهبته الفذة، وتنفيذه الرائع للركلات الحرة، ورؤيته وقراءته للعب، وحسّه التهديفي، ومراوغته المذهلة، وذكائه للاستفادة إلى أقصى حد من نقاط ضعف الخصوم، لأن ميسي يتربع على صدارة عالم المستديرة الساحرة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وسيسافر إلى قطر بحثاً عن اللقب الوحيد الذي ينقص خزائنه.
التاريخ في كأس العالم
ستصل الأرجنتين إلى قطر متعطشة للثأر بعد ظهورها المتواضع في روسيا ٢٠١٨. الهزيمة المؤلمة أمام كرواتيا في الدور الأول أجبرتها على خوض مباراة صعبة للغاية أمام فرنسا في الدور ثمن النهائي، ودّع على إثرها المنافسة أمام بطل العالم لاحقاً في مواجهة مثيرة (٤-٣). لقد راكم المنتخب الأرجنتيني العديد من الإحباطات الأخيرة، بما في ذلك خسارة المباراة النهائية في الوقت الإضافي، ومباراة ربع النهائي التي أفلتت منها في ركلات الترجيح، وهو ما حرمها من رفع كأس العالم للمرة الثالثة في تاريخها.
لكن الأرجنتين وميسي سيواصلان المحاولة. في مشاركته الخامسة التي قد تكون الأخيرة، سيحاول البرغوث محاكاة دييجو أرماندو مارادونا في المكسيك ١٩٨٦. لا يوجد ركن في الأرجنتين لا يشهد على الإنجاز الرائع للأسطورة أمام إنجلترا. كان ذلك هو التتويج الثاني لكتيبة لا ألبيسيليستي، بعد أن رفعت كأس العالم لأول مرة على أرضها وأمام جمهورها عام ١٩٧٨.