يوما بعد يوم تنكشف الحكايات والأسرار البطولية عن أبطالنا في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، التي أعادت لمصر الأرض، وعاد للشعب كبريائه، بعدما استعاد القادة والجنود كل شبر من أرض سيناء التي كانت رمالها شاهدة على أسرار البطولات وأسمى التضحيات.
يحكي محمد أبو سيف أحد أبطال الكتيبة 206 دبابات التابعة للواء الأول مدرع الفرقة 21 مدرعة بالجيش الثانى الميدانى، أن تلك الكتيبة كان يقودها الرائد سعد أبو ريدة، والذي يقول عنه أنه كان يتمتع باللباقة والقوة والجسم المتناسق والرياض، وكان يصلى الفجر يوميا، وبعدها يمارس هوايته المفضلة وهى العدو (الجري) لمسافات طويلة.
ويقول أبو ستيت: "التحقت بهذه الكتيبة قبل حرب أكتوبر، وبها التقيت باللواء سعد أبو ريدة، فهذه الشخصية لم أجد مثلها فى الوطنية وحب بلده، أكاد أجزم لأنى كنت بجواره وعرفته عن قرب، كان صديقا لى رغم أنه قائدى، كنت أمارس كرة القدم وكان يكلفنى بتشكيل فريقين فى ملعب أرض الكتيبة لنتبارى، هو فى فريق وأنا الفريق المنافس".
وأضاف قائلا: "أقسم بالله لم أشعر طيلة هذه الفترة، أن هناك فارق بين الجندى والقائد، هذه المميزات أوصلته إلى أن يكون قائدا للواء الأول مدرع، ثم قائدا للجيش الثانى، ثم رئيسا لعمليات القوات المسلحة، ثم محافظا للبحر الأحمر، فكان متواضعا جدا ولا يشعرنا أنه ضابط أو قائد، وكان يمر ويجلس من داخل الملاجئ، ويأكل معنا ونتسامر حتى النكت ".
وأكمل: "أثناء حرب أكتوبر، في جنوب منطقة الإسماعيلية مكان يسمى استراحة عثمان احمد عثمان، بين طريقى سرابيوم والقاهرة، وكان بيننا وبين القوات الإسرائيلية وادى منخفض بمنطقة أبو سلطان كما نشتبك معهم ونكبدهم خسائر كبيرة، يختفون نهارا ويظهرون ليلا يمسكهم الرعب ويخافون الموت".
واستكمل حكايته قائلا: "ذات يوم ونحن مشغولون بالعمل بالتجهيزات العسكرية من تشوين الذخيرة للرد على العدو المقابل لنا فى الجهة المقابلة من الوادى فى منطقة أبو سلطان، جمعنا قائد الكتيبة الرائد سعد أبو ريدة، وأبلغنا أن العدو يقوم بحفر خندق بطول الوادى، وأحضر بلدوزر من النوع الضخم لحفر هذا الخندق لإعاقة ومنع القوات المصرية من التقدم أثناء الهجوم عليهم".
وعاد أبو سيف ليقول: "طلب أبو ريدة ترشيح طاقم دبابة للقيام بتدمير هذا البلدور، وما أن سمعت الأمر قلت أمام الطابور أنا مستعد يا فندم، فقال مبتسما للطابور صفقوا لزميلكم الفدائى محمد أبو سيف، وبعد الانتهاء من حديثه تم ترشيح الجندى عدلى صليب أسعد قائد الدبابة، والجندى متطوع أحمد الصادق سائقا متميزا للدبابة، ومعمر الدبابة الجندى مختار محمد منصور، ومعنا ضابط الاحتياط ملازم أول عبد العليم مشرفا على العملية".
واستكمل حديثه: "تم تسليح الدبابة ت 62، وكانت فى تلك الفترة من أحدث الدبابات فى الجيش المصرى، وتم تجهيزها بأنواع الأسلحة والمقذوفات شديدة الانفجار والحشوة الجوفاء ومضادة للدروع والقنابل اليدوية والمقذوفات الخاصة برشاش الجرينوف، وصدرت الأوامر بالتحرك ليلا إلى منطقة ( ك ٨طب) منطقة مرتفعة واستراتيجية بمنطقة أبو سلطان لتنفيذ المهمة وهى استهداف وتدمير البلدوزر بعد خطة محكمة من أبو ريدة".
وقال أبو سيف: " تم تحديد مسافة الهدف على التليسكوب وانتظرنا لصباح اليوم التالى لتنفيذ المهمة ونحن خلف الساتر المعد للمهمة، في البداية نزل الملازم أول عبد العليم من الدبابة خلف الساتر ومعه بيرق أحمر فى يده، وزحف على بطنه ليشاهد البلدوزر، وعند طلوع البلدوزر وظهوره على سطح الأرض، رفع الضابط عبد العليم البيرق، فقام السائق أحمد الصادق بالتحرك فورا على المصطبة، وكانت يدى على صندوق السيطرة وقمت بتمشين السهم على جسم الهدف، وضعت أصبعي على ذر الانطلاق، فانطلقت فى قلب البلدوز وانتشرت أشلائه والتهمته النيران وتفحم بمن فيه، كل هذا ومعنا على اللاسلكى لحظة بلحظة طيب الذكر اللواء سعد ابو ريدة وهو أيضا من وضع الخطة لنا وتمت الخطة وتكللت بالنجاح من إنسان وبطل استحق أن يتحول من رائد قائد كتيبة إلى قائد لواء إلى قائد للجيش الثانى الميدانى إلى رئيس عمليات القوات المسلحة قبل أن يختتم حياته محافظا للبحر الأحمر".