و تستمر شجرة مباديء الأهلي تطرح ثمارها، فرغم مرور ١١٢ سنك علي طهور النادي العريق، إلا انها لم تجف ولم تصل إلي مرحلة الخريف، ومازالت في عنفوانها، وتعيش وربيعها.
فبجانب ما قدمناه من أمثلة مازال هناك الكثير والتاريخ علي ذلك من الشاهدين وهذه أمثلة اخري:
إيقاف حسين حجازي
وتأتي سنة 1928 وفيها يحدث موقف آخر ليكرس فيه النادي الأهلي مبادئه، ويظهر الشعار الكبير الذي أطلقه جعفر ولي باشا ليترجم به الأساس الذي يسير عليه الأهلي منذ نشأته: "الأخلاق قبل البطولة"، وكأنه مكتوب على الأهلي أن يتعرض كل حقبة من الزمن لموقف تاريخي فيه اختبار لمبادئه ودرس يعيد لكل من ينتمي للنادي صوابه ويذكر الجميع بثوابت النادي الأهلي.
ففي هذا العام كان على فريق النادي الأهلي لكرة القدم أن يلتقي يوم 13 أبريل مع نادي الترسانة في مباراة نهائي كأس السلطان، وخسر الأهلي المباراة والبطولة، وفوجئ الجميع بعدم صعود لاعبي الأهلي لاستلام ميداليات المركز الثاني، وصعد منهم لاعبان فقط أخذوا كل الميداليات جملة واحدة، وحدث استياء بالغ، فالبطولة يحضرها مندوب الملك فؤاد لتسليم الكأس والميداليات، ولم يسكت النادي الأهلي...
فقد اجتمعت اللجنة العليا للنادي يوم الثلاثاء 17 إبريل 1928 تحت رئاسة جعفر ولي باشا وبحضور كل من محمد محمود باشا، فؤاد أنور بك وفؤاد أباظة بك، محمد صبحي بك وأبو بكر راتب بك، وقررت ما يأتي:
أولًا: إبداء عظيم استياء اللجنة للسلوك المعيب الذي سلكه أفراد فرقة النادي بعد انتهاء هذه المباراة.
ثانيًا: إيقاف رئيس الفرقة، "حسين حجازي" لمدة ثلاثة شهور بصفته رئيسا للفرقة تقع عليه المسئولية في كل ما حصل.
ثالثًا: إنذار باقي اللاعبين ما عدا رياض شوقي، وزكي عثمان لأن الأخيرين قاما بالواجب عليهما وحضرا لاستلام الميداليات.
رابعًا: إبلاغ هذا القرار إلى لجنة الكأس السلطاني والاتحاد المصري لكرة القدم وتعليقه بلوحة النادي لمدة خمسة عشر يوما وعلى سكرتير النادي مراعاة تنفيذ ذلك.
كان قرارًا قويًا حازمًا، وحتى نعرف قوة القرار علينا متابعة ما ذكرته الصحف في ذلك الوقت، ففي اليوم التالي للمباراة كتبت الأهرام:
ما حدث من الأهليين "فريق الأهلي" يومئذ شديد الوقع على كل رياضي سمع به، وأشد منه وقعا على من رآه رأي العين، وقد أوشكت هذه المشكلة أن تحل بعد أن أخذت شأنا كبيرا في الدوائر والمراجع العالية فانتهى درسها الأول في النادي نفسه على أن يوقف حجازي ثلاثة شهور لأنه ثبت للجنة النادي أنه هو المسئول عن ذلك بصفته رئيس الفرقة
إذا فلا شك في أن هذا الحل سيعبر عن استهجان النادي لما حدث وهو أمر لا يشك فيه إنسان.
أما مجلة المصور فكتبت فور صدور قرارات النادي الأهلي: "وكان ما توقعناه"، ونشرت القرارات وختمت بالقول: "والقرار في ذاته حازم وقوي ويصون سمعته في المستقبل ويمنع تكرار الحادث".
العبارة التي كتبتها مجلة المصور: "وكان ما توقعناه"، ورغم قصرها إلا أنها تعطي دلالات لا تخطئها عين، فعندما تكتب المجلة هذه العبارة فهي تؤكد على أن هذا هو الإجراء الطبيعي المتوقع من النادي الأهلي، وأن هذا القرار يترجم الإرث التاريخي للأهلي أمام هذه المواقف، وما كان لمجلة المصور أن تكتب هذه العبارة إلا لأن هذه القرارات التربوية الحازمة السريعة أمر متعود عليه في النادي الأهلي، وهنا نؤكد ونحن نسرد هذه الأحداث التاريخية على أننا اخترنا بعض المواقف ولم نسردها جميعها، فلو سردناها جميعا ما كفانا أعدادا من المجلة لا عدة صفحات بها.
لم ينته الأمر عند هذا الحد، فسرعان ما أفاق الوسط الرياضي على أمر مهم، فمنتخب مصر لديه بعد شهر ونصف مشاركة هامة في أولمبياد أمستردام، وقرار إيقاف حسين حجازي سيؤثر بلا شك في قوة المنتخب، فبدأت الأصوات تتحدث باستحياء في إتحاد الكرة والصحف بضرورة إيجاد حل ليشارك حسين حجازي ورفع الإيقاف عنه، وحاول البعض إيجاد مبرر لحسين حجازي فكتبت الأهرام:
"كل ما هنالك أن حجازي تورط بحكم خجله ومركزه فكبر عليه أن يذهب في وسط هذا الجمع فيرى بعينه موقف الانهزام الذي لم يتعوده وأنه أخطأ وكل إنسان عرضه للخطأ وكل خطأ لابد أن ينظر فيه للنية والقصد، ومادامت نية حجازي حسنت من الناحية التي قدرت الإساءة إليها، وما دام قصد حجازي هو التواري عن أعين النظارة "الجمهور" لا رفض المثول بين يدي سعادة مندوب جلالة الملك ومن كان حاضرا معه".
وبالفعل، نجحت ضغوط البعض فأرسل إتحاد الكرة للأهلي يرجوه رفع إيقاف حسين حجازي، فاجتمعت اللجنة العليا للنادي الأهلي يوم 4 مايو 1928 بحضور كل من فؤاد أباظة وفؤاد أنور وأبو بكر راتب وجناب المستر سمبسون ونظرت في الالتماس المقدم من إتحاد الكرة، وكان القرار بعدم قبول إعادة النظر في قرار الإيقاف، ورفض النادي الأهلي الالتماس.
المثير في الأمر أن منتخب مصر سافر وشارك في الدورة الأوليمبية بأمستردام وحقق أكبر إنجاز في تاريخه، فقد فاز بالمركز الرابع في الدورة الأوليمبية، وحتى نعرف قيمة الإنجاز فقد كانت الدورات الأوليمبية بمثابة كأس العالم للمنتخبات في ذلك الوقت، قبل أن تبدأ بطولات كأس العالم عام 1930.
لكن عبقرية وقيمة القرار تأتي من ناحية أخرى، وهي إرساء مبدأ "الأخلاق قبل البطولة"، نعم، فالأهلي خسر كأس السلطان يوم 13 أبريل 1928، لكن أمامه وبعد أسبوع واحد مباراة نهائي كأس مصر "كأس الملك"، وبالتحديد يوم 20 أبريل 1928، فعندما يتم إيقاف أحسن لاعب في الفريق ومصر كلها وهو أيضًا قائد الفريق "الكابتن"، ولا يؤثر على القرار أن الفريق بصدد نهائي بطولة كبيرة ومن الممكن أن يخسر مرة أخرى ليخسر بطولتين خلال سبعة أيام فقط، فنحن أمام حالة فريدة للأخلاق والمبادئ.